فصل: تفسير الآيات (116- 118):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (111- 113):

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)}
قوله: {هُودًا} قال الفراء: يجوز أن يكون هوداً بمعنى يهودياً، وأن يكون جمع هائد.
وقال الأخفش: إن الضمير المفرد في كان هو باعتبار لفظ {من} والجمع في قوله: {هوداً} باعتبار معنى {من} قيل: في هذا الكلام حذف، وأصله: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً. هكذا قال كثير من المفسرين، وسبقهم إلى ذلك بعض السلف، وظاهر النظم القرآني أن طائفتي اليهود، والنصارى وقع منهم هذا القول، وأنهم يختصون بذلك دون غيرهم، ووجه القول بأن في الكلام حذفاً ما هو معلوم من أن كل طائفة من هاتين الطائفتين تضلل الأخرى، وتنفي عنها أنها على شيء من الدين فضلاً عن دخول الجنة كما في هذا الموضع، فإنه قد حكى الله عن اليهود أنها قالت: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء، والأماني قد تقدّم تفسيرها، والإشارة بقوله: تلك إلى ما تقدّم لهم من الأمانيّ التي آخرها أنه لا يدخل الجنة غيرهم، وقيل إن الإشارة إلى هذه الأمنية الآخرة، والتقدير أمثال تلك الأمنية أمانيهم، على حذف المضاف ليطابق أمانيهم، قوله: {هَاتُواْ} أصله هاتيوا حذفت الضمة لثقلها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، ويقال للمفرد المذكر: هات، وللمؤنث هاتي، وهو: صوت بمعنى أحْضر، والبرهان: الدليل الذي يحصل عنده اليقين. قال ابن جرير: طلب الدليل هنا يقتضي إثبات النظر، ويردّ على من ينفيه.
وقوله: {إِن كُنتُمْ صادقين} أي: في تلك الأمانيّ المجردة، والدعاوي الباطلة، ثم ردّ عليهم، فقال: {بلى مَنْ أَسْلَمَ} وهو: إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة، أي: ليس كما يقولون؛ بل يدخلها من أسلم وجهه لله. ومعنى أسلم: استسلم، وقيل: أخلص. وخص الوجه؛ بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الإنسان. ولأنه موضع الحواس الظاهرة. وفيه يظهر العزّ والذل، وقيل إن العرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء، وأن المعنى هنا الوجه وغيره. وقيل: المراد بالوجه هنا المقصد، أي: من أخلص مقصده وقوله: {وَهُوَ مُحْسِنٌ} في محل نصب على الحال، والضمير في قوله: {وَجْهَهُ} {وَلَهُ} باعتبار لفظ من، وفي قوله: {عَلَيْهِمْ} باعتبار معناها. وقوله: {مِنْ} إن كانت الموصولة، فهي فاعل لفعل محذوف أي: بلى يدخلها من أسلم. وقوله: {فَلَهُ} معطوف على: {من أسلم} وإن كانت {من} شرطية، فقوله: {فله} هو: الجزاء، ومجموع الشرط، والجزاء ردّ على أهل الكتاب، وإبطال لتلك الدعوى.
وقوله: {وَقَالَتِ اليهود} وما بعده فيه أن كل طائفة تنفي الخير عن الأخرى، ويتضمن ذلك إثباته لنفسها تحجراً لرحمة الله سبحانه.
قال في الكشاف: إن الشيء هو: الذي يصح ويعتدّ به، قال: وهذه مبالغة عظيمة؛ لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء، وإذا نفي إطلاق اسم الشيء عليه، فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده، وهكذا قولهم أقلّ من لا شيء. وقوله: {وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب} أي التوراة، والإنجيل، والجملة حالية، وقيل: المراد جنس الكتاب، وفي هذا أعظم توبيخ، وأشدّ تقريع؛ لأن الوقوع في الدعاوى الباطلة، والتكلم بما ليس عليه برهان هو: وإن كان قبيحاً على الإطلاق لكنه من أهل العلم، والدراسة لكتب الله أشدّ قبحاً، وأفظع جرماً، وأعظم ذنباً. وقوله: {كذلك قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} المراد بهم: كفار العرب، الذين لا كتاب لهم قالوا: مثل مقالة اليهود اقتداءً بهم؛ لأنهم جهلة لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدون أنه من أهل العلم. وقيل: المراد بهم طائفة من اليهود، والنصارى، وهم الذين لا علم عندهم، ثم أخبرنا سبحانه بأنه المتولى لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه، فيعذب من يستحق التعذيب، وينجي من يستحق النجاة.
وقد أخرج ابن أبي حاتم، عن أبي العالية في قوله: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة} الآية، قال: قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} قال: أمانيّ يتمنونها على الله بغير حق: {قُلْ هَاتُواْ برهانكم} قال: حجتكم: {إِن كُنتُمْ صادقين} بما تقولونه أنه كما تقولون: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} يقول: أخلص لله.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد في قوله: {قُلْ هَاتُواْ برهانكم} قال: حجتكم، وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله: {بلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ} قال: أخلص دينه.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتتهم أحبار اليهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والإنجيل، فقال له رجل من أهل نجران: ما أنتم على شيء، وجحد نبوّة موسى، وكفر بالتوراة، قال: فأنزل الله في ذلك: {وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَئ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَئ وَهُمْ يَتْلُونَ الكتاب} أي: كلّ يتلو في كتابه تصديق من كفر به.
وأخرج ابن جرير، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: من هؤلاء الذين لا يعلمون؟ قال: هم: أمم كانت قبل اليهود والنصارى.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: هم العرب قالوا ليس محمد على شيء.

.تفسير الآيات (114- 115):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}
هذا الاستفهام فيه أبلغ دلالة على أن هذا الظلم متناه، وأنه بمنزلة لا ينبغي أن يلحقه سائر أنواع الظلم: أي: لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله، واسم الاستفهام في محل رفع على الابتداء، وأظلم خبره. وقوله: {أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} قيل: هو بدل من مساجد. وقيل: إنه مفعول له بتقدير كراهية أن يذكر. وقيل: إن التقدير من أن يذكر، ثم حذف حرف الجر لطول الكلام؛ وقيل إنه مفعول ثان لقوله: {مَنَعَ} والمراد بمنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله: منع من يأتي إليها للصلاة، والتلاوة، والذكر، وتعليمه. والمراد بالسعي في خرابها: هو السعي في هدمها، ورفع بنيانها، ويجوز أن يراد بالخراب تعطيلها عن الطاعات التي وضعت لها، فيكون أعم من قوله: {أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه} فيشمل جميع ما يمنع من الأمور التي بنيت لها المساجد، كتعلم العلم وتعليمه، والقعود للاعتكاف، وانتظار الصلاة، ويجوز أن يراد ما هو أعم من الأمرين من باب عموم المجاز، كما قيل في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مساجد الله} [التوبة: 18].
وقوله: {مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} أي: ما كان ينبغي لهم دخولها إلا حال خوفهم، وفيه إرشاد للعباد من الله عزّ وجل أنه ينبغي لهم أن يمنعوا مساجد الله من أهل الكفر من غير فرق بين مسجد ومسجد، وبين كافر وكافر، كما يفيده عموم اللفظ، ولا ينافيه خصوص السبب، وأن يجعلوهم بحالة إذا أرادوا الدخول كانوا على وجل وخوف، من أن يفطن لهم أحد من المسلمين، فينزلون بهم ما يوجب الإهانة، والإذلال، وليس فيه الإذن لنا بتمكينهم من ذلك حال خوفهم، بل هو كناية عن المنع لهم منا عن دخول مساجدنا، والخزي: قيل: هو ضرب الجزية عليهم، وإذلالهم، وقيل غير ذلك، وقد تقدّم تفسيره. والمشرق: موضع الشروق. والمغرب: موضع الغروب، أي: هما ملك لله، وما بينهما من الجهات، والمخلوقات، فيشمل الأرض كلها.
وقوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} أي: أيّ جهة تستقبلونها، فهناك وجه الله، أي: المكان الذي يرتضى لكم استقباله، وذلك يكون عند التباس جهة القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها بقوله سبحانه: {فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] قال في الكشاف: والمعنى أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام، أو: في بيت المقدس، فقد جعلت لكم الأرض مسجداً، فصلوا في أيّ بقعة شئتم من بقاعها، وافعلوا التولية فيها، فإن التولية ممكنة في كل مكان، لا تختص أماكنها في مسجد دون مسجد، ولا في مكان دون مكان. انتهى. وهذا التخصيص لا وجه له، فإن اللفظ أوسع منه.
وإن كان المقصود به بيان السبب، فلا بأس. وقوله: {إِنَّ الله واسع عَلِيمٌ} فيه إرشاد إلى سعة رحمته. وأنه يوسع على عباده في دينهم، ولا يكلفهم ما ليس في وسعهم. وقيل: واسع بمعنى أنه يسع علمه كل شيء كما قال: {وَسِعَ كُلَّ شَئ عِلْماً} [طه: 98]، وقال الفراء: الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء.
وقد أخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، أن قريشاً منعوا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام، فأنزل الله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مساجد الله}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عنه قال: هم النصارى، وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن جرير، عن السدي قال: هم الروم كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس. وفي قوله: {أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ} قال: فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن يضرب عنقه، وقد أخيف بأداء الجزية، فهو يؤديها. وفي قوله: {لَهُمْ في الدنيا خِزْىٌ} قال: أما خزيهم في الدنيا، فإنه إذا قام المهدي، وفتحت القسطنطينية قتلهم، فذلك الخزي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة أنهم الروم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن كعب: أنهم النصارى لما أظهروا على بيت المقدس حرقوه.
وأخرج ابن جرير، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: هم: المشركون حين صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البيت يوم الحديبية.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن أبي صالح قال: ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا خائفين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في قوله: {لَهُمْ في الدنيا خِزْىٌ} قال: يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عن ابن عباس، قال: أوّل ما نسخ من القرآن، فيما ذكر لنا، والله أعلم شأن القبلة، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ المشرق والمغرب} الآية، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله إلى البيت العتيق، ونسخها فقال: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} [البقرة: 149]، وأخرج ابن المنذر، عن ابن مسعود نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وغيرهم عن ابن عمر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوّعاً أينما توجهت به»، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: {فأينما * تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} وقال: في هذا أنزلت هذه الآية.
وأخرج نحوه عنه ابن جرير، والدارقطني، والحاكم وصححه: وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يصلي على راحلته قبل المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة، وصلى».
وروى نحوه من حديث أنس مرفوعاً أخرجه ابن أبي شيبة، وأبو داود.
وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وضعفه، وابن ماجه وابن جرير وغيرهم عن عامر بن ربيعة؛ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة، فنزلنا منزلاً، فجعل الرجل يأخذ الأحجار، فيعمل مسجداً، فيصلي فيه، فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة، فقلنا يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة، فأنزل الله: {وَلِلَّهِ المشرق والمغرب} الآية، فقال: «مضت صلاتكم».
وأخرج الدارقطني، وابن مردويه، والبيهقي عن جابر مرفوعاً نحوه، إلا أنه ذكر أنهم خطوا خطوطاً.
وأخرج نحوه ابن مردويه بسند ضعيف، عن ابن عباس مرفوعاً.
وأخرج نحوه أيضاً سعيد بن منصور، وابن المنذر عن عطاء يرفعه، وهو مرسل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: {فَثَمَّ وَجْهُ الله} قال: قبلة الله أينما توجهت شرقاً أو غرباً.
وأخرج ابن أبي شيبة، والترمذي وصححه وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين المشرق والمغرب قبلة».
وأخرج ابن أبي شيبة، والدارقطني، والبيهقي، عن ابن عمر مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي عن عمر نحوه.

.تفسير الآيات (116- 118):

{وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}
قوله: {وَقَالُواْ} هم اليهود والنصارى، وقيل اليهود: أي قالوا: {عُزَيْرٌ ابن الله} [التوبة: 30] وقيل النصارى: أي: {قَالُواْ المسيح ابن الله} [التوبة: 30] وقيل: هم كفار العرب: أي: قالوا الملائكة بنات الله. وقوله: {سبحانه} قد تقدم تفسيره، والمراد هنا تبرؤ الله تعالى عما نسبوه إليه من اتخاذ الولد. وقوله: {بَل لَّهُ مَا فِي السموات والأرض} ردّ على القائلين: بأنه اتخذ ولداً، أي بل هو مالك لما في السموات، والأرض، وهؤلاء القائلون داخلون تحت ملكه، والولد من جنسهم لا من جنسه، ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد. والقانت: المطيع الخاضع، أي: كل من في السموات والأرض مطيعون له، خاضعون لعظمته، خاشعون لجلاله. والقنوت في أصل اللغة أصله القيام. قال الزجاج: فالخلق قانتون، أي: قائمون بالعبودية، إما إقراراً، وإما أن يكونوا على خلاف ذلك، فأثر الصنعة بين عليهم، وقيل أصله الطاعة، ومنه {والقانتين والقانتات} [الأحزاب: 35] وقيل: السكون، ومنه قوله: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين} [البقرة: 238] ولهذا قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قانتين} فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام. وقيل القنوت: الصلاة، ومنه قول الشاعر:
قَانِتاً لله يَتْلو كتُبْه ** وَعَلى عَمدٍ من النَّاسِ اعْتَزَل

والأولى أن القنوت لفظ مشترك بين معان كثيرة، قيل: هي ثلاثة عشر معنى، وهي مبنية، وقد نظمها بعض أهل العلم، كما أوضحت ذلك في شرحي علم المنتقى. وبديع: فعيل للمبالغة، وهو خبر مبتدأ، محذوف، أي: هو بديع سمواته، وأرضه، أبدع الشيء: أنشأه لا عن مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له مبدع. وقوله: {وَإِذَا قضى أَمْرًا} أي: أحكمه، وأتقنه. قال الأزهري: قضى في اللغة على وجوه مرجعها الى انقطاع الشيء، وتمامه، قيل: هو مشترك بين معان، يقال قضى بمعنى: خلق، ومنه: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات} [فصلت: 12] وبمعنى أعلم، ومنه: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسراءيل في الكتاب} [الإسراء: 4] وبمعنى أمر، ومنه: {وقضى رَبُّكَ ألا لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إيّاه} [الإسراء: 23] وبمعنى ألزم، ومنه: قضى عليه القاضي، وبمعنى أوفاه، ومنه: {فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل} [القصص: 29] وبمعنى أراد ومنه: {فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ} [غافر: 68]، والأمر واحد الأمور.
وقد ورد في القرآن على أربعة عشر معنى: الأوّل الدين، ومنه: {حتى جَاء الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله} [التوبة: 48] الثاني: بمعنى القول، ومنه: {فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا} [المؤمنون: 27] الثالث: العذاب، ومنه قوله: {لَمَّا قُضِىَ الأمر} [إبراهيم: 22] الرابع: عيسى، ومنه: {فَإِذَا قضى أَمْراً} [مريم: 35] أي: أوجد عيسى عليه السلام. الخامس القتل، ومنه {فَإِذَا جَاء أَمْرُ الله} [غافر: 78] السادس: فتح مكة، ومنه: {فَتَرَبَّصُواْ حتى يَأْتِىَ الله بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24]. السابع: قتل بني قريظة، وإجلاء النضير، ومنه: {فاعفوا واصفحوا حتى يَأْتِىَ الله بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109]، الثامن: القيامة، ومنه: {أتى أَمْرُ الله} [النحل: 1] التاسع: القضاء، ومنه: {يُدَبّرُ الأمر} [يونس: 3]، العاشر الوحي، ومنه: {يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] الحادي عشر: أمر الخلائق، ومنه: {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور} [الشورى: 53] الثاني عشر: النصر، ومنه: {هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَئ} [البقرة: 154]. الثالث عشر: الذنب، ومنه: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} [الطلاق: 9] الرابع عشر: الشأن، ومنه: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] هكذا أورد هذه المعاني بأطول من هذا بعض المفسرين، وليس تحت ذلك كثير فائدة، وإطلاقه على الأمور المختلفة لصدق اسم الأمر عليها. وقوله: {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} الظاهر في هذا المعنى الحقيقي، وأنه يقول سبحانه هذا اللفظ، وليس في ذلك مانع، ولا جاء ما يوجب تأويله، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] وقال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَئ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] وقال: {وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ واحدة كَلَمْحٍ بالبصر} [القمر: 50] ومنه قول الشاعر:
إذا ما أراد الله أمراً فإنما ** يقول له كن قوله فيكون

وقد قيل: إن ذلك مجاز، وأنه لا قول، وإنما هو: قضاء يقضيه، فعبر عنه بالقول، ومنه قول الشاعر، وهو عمر بن حممة الدوسي:
فَأصْبَحْتُ مِثْل النَّسْرِ طَارَ فَرِاخُه ** إذَا رَامَ تَطْيَاراً يُقَالُ لَهُ قَعِ

وقال آخر:
قالت جناحاه لساقيه الحقا ** ونجيا لحكمكما أن يمزقا

والمراد بقوله: {وَقَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} اليهود، وقيل النصارى، ورجّحه ابن جرير؛ لأنهم المذكورون في الآية؛ وقيل مشركو العرب، و{لَوْلاَ} حرف تحضيض، أي: هلا {يُكَلّمُنَا الله} بنبوّة محمد، فنعلم أنه نبيّ، {أَوْ تَأْتِينَا} بذلك علامة على نبوّته. والمراد بقوله: {قَالَ الذين مِن قَبْلِهِم} قيل: هم اليهود، والنصارى، في قول من جعل الذين لا يعلمون كفار العرب، أو الأمم السالفة، في قول من جعل الذين لا يعلمون اليهود، والنصارى، أو اليهود في قول من جعل الذين لا يعلمون النصارى {تشابهت} أي: في التعنت، والاقتراح، وقال الفراء: {تشابهت} في اتفاقهم على الكفر، {قَدْ بَيَّنَّا الآيات لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي: يعترفون بالحق، وينصفون في القول، ويذعنون لأوامر الله سبحانه لكونهم مصدقين له سبحانه مؤمنين بآياته متبعين لما شرعه لهم.
وقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: كذبني ابن آدم وشتمني، فأما تكذيبه إياي، فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي، فقوله لي ولد، فسبحاني أن اتخذ صاحبة، أو ولداً».
وأخرج نحوه أيضاً من حديث أبي هريرة، وفي الباب أحاديث.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {سبحانه} قال: تنزيه الله نفسه عن السوء.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان: سبحان الله، قال: «برأه الله من السوء».
وأخرجه الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن جدّه طلحة بن عبيد الله، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله، فقال: «تنزيه الله من كل سوء».
وأخرجه ابن مردويه، عنه من طريق أخرى مرفوعاً.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية، والضياء في المختارة، عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت، فهو الطاعة».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {كُلٌّ لَّهُ قانتون} قال مطيعون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {بَدِيعُ السموات والأرض} يقول: ابتدع خلقهما، ولم يشركه في خلقهما أحد.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس؛ قال: قال رافع بن حُرَيْملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن كنت رسولاً من الله كما تقول، فقل لله، فليكلمنا حتى نسمع كلامه، فأنزل الله في ذلك: {وَقَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة؛ أنهم كفار العرب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد قال: هم النصارى، والذين من قبلهم يهود.